فصل: خامس عشرين صفر أيضًا مسك السلطان الأمير قردم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم في

 خامس عشرين صفر أيضًا مسك السلطان الأمير قردم

الحسني اليلبغاوي رأس نوبة النوب كان وأخرج بعد أيام على إمرة عشرة بغزة ثم خلع السلطان على الأمير قلمطاي العثماني الظاهري باستقراره أمير جاندار بعد موت قطلوبغا القشتمري وخلع على ناصر الدين محمد ابن الأمير محمود الأستادار بنيابة الإسكندرية عوضًا عن ألطنبغا المعلم المقبوض عليه‏.‏

ثم قدم البريد من دمشق بأن خمسة من المماليك أتوا إلى نائب قلعة دمشق مشاة وشهروا سيوفهم وهاجموا القلعة وملكوها وأغلقوا بابها وأخرجوا من بها من المنطاشية والناصرية وهم نحو مائة رجل وقتلوا نائب القلعة ومن معه وأن حاجب حجاب دمشق ركب بعسكر دمشق وقاتلهم ثلاثة أيام حتى أخذ القلعة منهم وقبض على الجميع إلا خمسة منهم فروا فوسط الحاجب الجميع‏.‏

ثم في ثالث عشرين شهر ربيع الآخر رسم السلطان بقتل الأمير أيدكار العمري حاجب الحجاب كان والأمير قراكسك والأمير أرسلان اللفاف والأمير أرغون شاه‏.‏

ثم في أول جمادى الأولى أحضرت إلى القاهرة من الإسكندرية عدة رؤوس من الأمراء المسجونين بها وغيرهم‏.‏

وفي تاسع عشر شهر جمادى الأولى المذكور خلع السلطان على الأمير كمشبغا الحموي باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأمير إينال اليوسفي اليلبغاوي على أن كمشبغا كان يجلس فوق إينال المذكور‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير أيتمش البجاسي باستقراره رأس نوبة الأمراء وأطابكا وأنعم عليه بزيادة على إقطاعه حتى صار إقطاعه يضاهي إقطاع الأمير الكبير لأن أيتمش المذكور كان ولي الأتابكة بديار مصر في سلطنة الملك الظاهر وفي يوم الاثنين أول شهر رمضان خلع السلطان على الأمير كمشبغا الأشرفي الخاصكي أمير مجلس باستقراره في نيابة دمشق بعد موت سودون طرنطاي‏.‏

قلت‏:‏ هذا رابع نائب ولي دمشق في أقل من سنة‏:‏ الأول الناصري والثاني بطا والثالث سودون طرنطاي والرابع كمشبغا هذا فلعمري‏!‏ هل هذه آجال متقاربة لديهم أم كؤوس منايا تدور عليهم‏.‏

ثم قدم البريد على السلطان بقتال عسكر حلب لمنطاش وفرار منطاش وانهزامه أمامهم حتى على الفرات‏.‏

ثم أنعم السلطان في اليوم المذكور على الوالد بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية وأنعم بطبلخاناه الوالد على الأمير قلمطاي العثماني الظاهري وكان الإقطاع المنعم به على الوالد عوضًا عن كمشبغا الخاصكي المنتقل إلى نيابة الشام‏.‏

وأنعم السلطان بإقطاع قلمطاي على الأمير شادي خجا الظاهري والإقطاع إمرة عشرة‏.‏

ثم أمسك السلطان شيخ الشيوخ المعروف بالشيخ أصلم بن نظام الدين الأصبهاني صاحب الزاوية على الجبل تجاه باب الوزير وسلمه لشاد الدواوين على حمل مائتي ألف درهم وسببه أن السلطان لما اختل أمره في حركة الناصري ومنطاش وهم بالهرب طلب أصلم المذكور وأعطاه خمسة آلاف دينار وواعده أنه ينزل إليه ويختفي عنده فلم يف له أصلم بذلك وأخذ الذهب وغيب فاختفى السلطان في بيت أبي يزيد من غير ميعاد واعده‏.‏

وفي سابع عشرين شوال استقر الأمير بكلمش العلائي الأمير آخور أمير سلاح واستقر الأمير تنبك اليحياوي الظاهري أمير آخور كبيرًا عوضه‏.‏

وفي ثاني عشر ذي القعدة قتل الأمير قرادمرداش الأحمدي اليلبغاوي نائب حلب كان والأمير تغاي تمر نائب سيس في عدة أمراء أخر‏.‏

وفي ثالث محرم سنة خمس وتسعين وسبعمائة قدم البريد على السلطان من الشام بموت الأمير كمشبغا الخاصكي الأشرفي نائب دمشق فاستقر السلطان بالأمير تنبك الحسني الظاهري المعروف بتنم أتابك دمشق في نيابتها عوضًا عن كمشبغا المذكور‏.‏

قلت‏:‏ الآن طاب خاطر السلطان الملك الظاهر برقوق بنيابة تنم المذكور فإن الشام صار الآن بيد مملوكه كما نيابة حلب وحماة مع جلبان ودمرداش‏.‏

ولما استقر تنم في نيابة دمشق رسم السلطان بنقل الأمير إياس الجرجاوي نائب طرابلس إلى أتابكية دمشق عوضًا عن تنم المذكور ونقل الأمير دمرداش المحمدي الظاهري من نيابة حماة إلى نيابة طرابلس عوضه واستقر الأمير آقبغا الصغير في نيابة حماة عوضًا عن دمرداش المذكور‏.‏

وفي أثناء ذلك قدم البريد على السلطان يخبر بأن منطاشًا ونعيرًا أمير العرب وابن بزدغان التركماني وابن إينال التركماني صاروا في عسكر كثيف وحضروا به إلى سلمية فلقيهم محمد بن قارا أمير العرب على شيزر بتراكمين الطاعة فقاتلهم وقتل ابن بزدغان وابن إينال وجرح منطاش وسقط عن فرسه فلم يعرف لأنه كان حلق شاربه ورمى شعره حتى أدركه ابن نعير وأردفه خلفه وانهزم به بعد أن قتل من الفريقين عالم كبير وحملت رأس ابن بزدغان وابن إينال إلى دمشق فعلقتا على قلعتها ففرح السلطان بذلك وكتب لمحمد بن قارا بالشكر والثناء وأرسل إليه خلعة هائلة‏.‏

ثم بعد أيام يسيرة ورد الخبر بأن نعيرًا والأمير منطاشًا كبسا حماة في عسكر كبير فقاتلهم الأمير آقبغا الصغير نائب حماة فيما بين حماة وطرابلس وكسرهما فلما بلغ الأمير جلبان الكمشبغاوي قراسقل نائب حلب ذلك ركب بعسكره وسار إلى أبيات نعير ونهبها وأخذ ما قدر عليه من المال والخيل والجمال والأغنام والنساء والأطفال وأضرم النيران فيما بقي عندهم ثم أكمن كمينًا‏.‏

فلما سمع نعير بما وقع عليه رجع إلى نحو بيوته بجماعته فخرج الكمين عليه وقتل من عربانه جماعة كبيرة وأسر مثلها وقتل في هذه الوقعة من عسكر حلب نحو المائة فارس وعدة من الأمراء فأعجب السلطان ما فعله نائب حلب وكتب إليه بالشكر والثناء وأرسل إليه خلعة ثم أخرج السلطان الأمير ألطنبغا المعلم أمير سلاح كان من السجن وأرسله إلى ثغر دمياط بطالا وأفرج السلطان أيضًا عن الأمير قطلوبغا السيفي حاجب الحجاب كان في أيام منطاش وأرسله إلى الثغر المذكور‏.‏

ثم في رابع عشر جمادى الآخرة من سنة خمس وتسعين وسبعمائة قدم البريد بموت الأمير يلبغا الإشقتمري نائب غزة وفي تاسع عشرين جمادى المذكورة خلع السلطان على الأمير قلمطاي العثماني الظاهري باستقراره دوادارًا كبيرًا بعد موت الأمير أبي يزيد بن مراد الخازن وخلع السلطان على الأمير ألطنبغا العثماني الظاهري باستقراره في نيابة غزة عوضًا عن يلبغا الأقشتمري‏.‏

قلت‏:‏ أدركت أنا ألطنبغا العثماني الظاهري هذا في نيابته على دمشق في دولة الملك المؤيد شيخ‏.‏

انتهى‏.‏

وأنعم السلطان بإقطاع ألطنبغا العثماني على الأمير تمراز الناصري الظاهري رأس نوبة - والإقطاع إمرة طبلخاناه - وأنعم السلطان بإمرة تمراز المذكور على الأمير شرف الدين موسى بن قماري أمير شكار والإقطاع إمرة عشرة‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالث شهر رمضان من سنة خمس وتسعين المذكورة قدم البريد من حلب بالقبض على الأمير منطاش‏.‏

وكان من خبره أن الأمير جلبان نائب حلب لم يزل في مدة ولايته على حلب يبذل جهده في أمر منطاش حتى وافقه الأمير نعير على ذلك بعد أمور صدرت بينهما‏.‏

وكان منطاش في طول هذه المدة مقيمًا عند نعير فبعث جلبان شاذ شراب خاناته السيفي كمشبغا في خمسة عشر مملوكًا إلى نعير بعد أن التزم الأمير جلبان لنعير بإعادة إمرة العرب عليه فسار كمشبغا المذكور حتى قارب أبيات نعير فنزل في موضع وبعث يأمر نعيرًا بالقبض على منطاش ويعلمه بحضوره فندب نعير أحد عبيده إليه يستدعيه فأحس منطاش بالشر وفطن بالقصد فهم بالفرار فركب فرسه وأراد التوجه إلى حال سبيله فقبض العبد على عنان فرسه فهم منطاش بضربه فأدركه عبد آخر وأنزلاه عن فرسه وأخذا سيفه فتكاثروا عليه فلما تحقق منطاش أنه أخذ ومسك أخذ سكينًا كانت معه وضرب نفسه بها أربع ضربات أغشي عليه وحمل وأتي به إلى عند كمشبغا المذكور ومعه فرسه وأربعة جمال فتسلمه كمشبغا وسار به إلى حلب فدخلها في أربعمائة فارس من عرب نعير فكان لدخوله حلب يوم عظيم مشهود وحمل منطاش إلى قلعة حلب وسجن بها‏.‏

ثم كتب إلى السلطان بمسكه فلما بلغ السلطان ذلك سر سرورًا عظيمًا أم الهمة اضمحلت‏!‏ وما الشيء إلا كما كان وزيادة غير أن قلة العرفان تمنع السيادة‏.‏

انتهى‏.‏

وفي يوم ثاني شعبان خلع السلطان على الشيخ بحر الدين محمود الكلستاني المقدم ذكره باستقراره في كتابة سر مصر بعد موت القاضي بدر الدين محمد بن فضل الله وكانت تولية الكلستاني هذه الوظيفة كتابة السر من غريب الإتفاق كونه كان فقيرًا مملقًا خائفًا من السلطان وعند طلب السلطان له من خانقاه شيخون لقراءة الكتاب الوارد عليه من العجم لم يخرج من الخانقاه حتى أوصى‏.‏

ثم إنه بعد قراءة الكتاب سافر صحبة السلطان إلى دمشق واشتغل السلطان بما هو فيه عنده فضاق عيشه إلى الغاية وبقي في أعوز حال وبات ليلته يتفكر في عمل أبيات يمدح بها قاضي دمشق لعله ينعم عليه بشيء يرد به رمقه فنظم قصيدة هائلة وكان بارعًا في فنون عديدة وأصبح من الغد ليتوجه بالقصيدة إلى القاضي فجاءه قاصد السلطان بولاية كتابة سر مصر فجاءته السعادة فجأة‏.‏

وكان من أمر السلطان أنه لما مات كاتب السر طلب من يوليه كتابة السر فذكر له جماعة وبذلوا له مالا له صورة فلم يلتفت السلطان إلى ذلك وأراد من يكون كفؤًا لهذه الوظيفة التي يكون متوليها صاحب لسان وقلم فلم يجد غير الكلستاني المذكور وكان أهلًا لها فطلبه وولاه كتابة السر فباشرها على أجمل وجه‏.‏

انتهى‏.‏

ثم قدم على السلطان رسل طقتمش خان صاحب كرسي بلاد القفجاق بأنه يكون عونًا مع ثم قدمت رسل خوندكار يلدرم بايزيد بن عثمان متملك بلاد الروم بأنه جهز لنصرة السلطان مائتي ألف درهم وأنه ينتظر ما يرد عليه من جواب السلطان ليعتمده‏.‏

ثم قدم رسول القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس بأنه في طاعة السلطان ويترقب ورود المراسيم السلطانية الشريفة عليه بالمسير إلى جهة يعينه السلطان إليها عند قدوم تيمور فكتب جواب الجميع بالشكر والثناء وبما اختاره السلطان‏.‏

ثم في أول ذي القعدة خرج السلطان من دمشق يريد البلاد الحلبية وسار حتى دخلها في العشر الأوسط من ذي القعدة‏.‏

وبعد دخوله حلب بأيام قليلة عزل نائبها الأمير جلبان من كمشبغا الظاهري المعروف بقراسقل وخلع على الوالد باستقراره عوضه في نيابة حلب وأنعم على الأمير جلبان المذكور بإقطاع الوالد وإمرته وهي إمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية ولم يستقر به في وظيفته وكانت وظيفة الوالد قبل نيابة حلب رأس نوبة النوب‏.‏

ثم أمسك السلطان الأمير دمرداش المحمدي نائب طرابلس وحبسه وخلع على الأمير أرغون شاه الإبراهيمي الظاهري نائب صفد باستقراره عوضه في نيابة طرابلس وخلع على الأمير آقبغا الجمالي الظاهري أتابك حلب باستقراره في نيابة صفد عوضًا عن أرغون شاه الإبراهيمي وخلع على الأمير دقماق المحفلي الظاهري باستقراره في نيابة ملطية وعلى الأمير كور مقبل باستقراره في نيابة طرسوس‏.‏

ثم قبض السلطان على عدة أمراء من أمراء حلب‏:‏ منهم الأمير ألطنبغا وأنعم على كمشبغا المذكور بخمسة آلاف درهم وخلع عليه فوقانيا بطرز ذهب مزركش ورسم السلطان إلى سائر الأمراء أن يوافوه بالخلع ودقت البشائر لهذا الخبر بالديار المصرية وزينت القاهرة من الغد زينة عظيمة‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير طولو من علي باشاه الظاهري أحد أمراء العشرات وندبه للتوجه إلى حلب على البريد لإحضار رأس منطاش بعد أن يعذبه بأنواع العذاب ليقر على أمواله فسار طولو في خامسه إلى حلب وأحضر منطاشًا وعصره وأجرى عليه أنواع العذاب ليقر بالمال فلم يعترف بشيء فذبحه بعد عذاب شديد‏.‏

قيل‏:‏ إنه عذب بأنواع العذاب والكسارات والنار في أطرافه حتى لم يبق فيه عضو إلا وتكسر وهو مصمم على أنه لا يملك شيئًا ثم قطع رأسه وحملت على رمح وطيف بها بمدينة حلب ثم أخذها طولو وعاد يريد الديار المصرية فصار كلما دخل إلى مدينة طاف بها على رمح وعمل بها كذلك في سائر من الشام حتى وصلت إلى الديار المصرية صحبة طولو المذكور في يوم الجمعة حادي عشرين رمضان فعلقت على باب قلعة الجبل ثم طيف بها القاهرة على رمح ثم علقت على باب زويلة أيامًا ثم سلمت إلى زوجته أم ولده فدفنتها في سادس عشرينه‏.‏

ثم ندب السلطان يلبغا السالمي الظاهري إلى نعير بالخلع‏.‏

ثم في سادس عشرينه قدمت رسل الملك الظاهر مجد الدين عيسى صاحب ماردين على السلطان تخبر بأن تيمورلنك أخذ مدينة تبريز وأرسل يستدعيه إلى عنده فاعتذر لمشاورة سلطان مصر فلم يقبل منه تيمور ذلك وقال له‏:‏ ‏"‏ ليس لصاحب مصر بملكك حكم ‏"‏ وأرسل إليه خلعة وسكة ينقش بها الذهب والدنانير‏.‏

وقدم مع القاصد أيضًا رسول صاحب بسطام يذكر بأن تيمور قتل شاه منصور متملك شيراز وبعث برأسه إلى بغداد وبعث بالخلع والسكة إلى السلطان أحمد بن أويس صاحب العراق فلبس السلطان أحمد الخلعة وطاف بها في شوارع بغداد وضرب باسمه السكة‏.‏

وكان ذلك خديعة من تيمور حتى ملك منه بغداد في يوم السبت حادي عشرين شوال من سنة خمس وتسعين المذكورة‏.‏

وكان سبب أخذ تيمور بغداد أن ابن أويس المذكور كان أسرف في قتل أمرائه وبالغ في ظلم رعيته وانهمك في الفجور والفساد‏.‏

قلت فائدة‏:‏ حكى بعض الحكماء أن الرجل إذا كان فيه خصلة من سبع خصال تمنعه السيادة منع الناس أن يسود عليهم سبعة قاله ذوو التبيان أحمق كاذب صغير فقير ظالم النفس ممسك الكف زان ولما وقع من السلطان أحمد ذلك كاتب أهل بغداد تيمور بعد استيلائه على مدينة تبريز يحثونه على المسير إلى بغداد فتوجه إليها بعساكرها حتى بلغ الدربند وهو من بغداد مسيرة يومين فبعث إليه أحمد بن أويس بالشيخ نور الدين الخراساني يسأله في الكف عنهم وأن ابن أويس نائبه ويجهز له ما اختار من الأموال فأكرمه تيمور وقال له‏:‏ ‏"‏ أنا أترك بغداد لأجلك ‏"‏ ورحل يريد السلطانية فبعث نور الدين كتبه بالبشارة إلى بغداد‏.‏

ثم قدم في إثرها فاطمأن أهلها‏.‏

وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق أخرى فلم يشعر أحمد بن أويس وقد اطمأن إلا وتيمور نزل غربي بغداد قبل أن يصل الشيخ نور الدين فدهش عند ذلك ابن أويس وأمر بقطع الجسر ورحل من بغداد بأمواله وأولاده وقت السحر من ليلته وهي ليلة السبت المذكورة وترك بغداد فدخلها تيمورلنك وأرسل ابنه في إثر ابن أويس فأدركه بالحفة ونهب ماله وسبى حريمه وأسر وقتل كثيرًا من أصحابه فنجا السلطان أحمد بن أويس بنفسه في طائفة وهم عراة فقصد حلب وتلاحق به من بقي من أصحابه‏.‏

ثم بعد ذلك قدم البريد على السلطان الملك الظاهر برقوق بأن ابن أويس المذكور نزل بالرحبة في نحو ثلاثمائة فارس‏.‏

وقدم كتاب ابن أويس وكتاب نعير فأجيب أحسن جواب وكتب بإكرامه والقيام بما يليق به فلما وصل كتاب السلطان إلى نعير توجه إليه وعندما عاين ابن أويس نزل عن فرسه وقبل الأرض بين يديه وسار به إلى بيوته وأضافه‏.‏

ثم سيره إلى حلب فقدمها ومعه أحمد بن شكر ونحو الألفي فارس فأنزله الأمير جلبان قراسقل نائب حلب بالميدان وقام له بما يليق به وكتب مع البريد إلى السلطان بذلك وعلى يد القادم أيضًا كتاب السلطان أحمد بن أويس يستأذن في القدوم إلى مصر فجمع السلطان الأمراء للمشورة في أمر ابن أويس فاتفقوا على إحضاره وأن يخرج إلى مجيئه الأمير عز الدين أزدمر ومعه نحو ثلاثمائة ألف درهم فضة وألف دينار برسم النفقة على ابن أويس في طريقه إلى مصر‏.‏

وتوجه أزدمر المذكور في سادس عشرينه وسار أزدمر إلى حلب وأحضر السلطان أحمد ابن أويس المذكور إلى نحو الديار المصرية ث فلما قرب ابن أويس من ديار مصر أخرج السلطان عدة من الأمراء إلى لقائه‏.‏

فلما كان يوم الثلاثاء سابع عشرين شهر ربيع الأول من سنة ست وتسعين وسبعمائة نزل السلطان الملك الظاهر من قلعة الجبل بأمرائه وعساكره إلى لقاء أحمد بن أويس وجلس بمسطبة مطعم الطير من الريدانية خارج القاهرة إلى أن قرب السلطان أحمد بن أويس ووقع بصره على المسطبة التي جلس عليها السلطان فنزل عن فرسه ومشى عدة خطوات فتوجه إليه الأمير بتخاص حاجب الحجاب بالديار المصرية ومن بعده الأمراء للسلام على ابن أويس فتقدم بتخاص المذكور وسلم عليه ووقف بإزائه وصار كلما تقدم إليه أمير ليسلم عليه يعرفه بتخاص باسمه ووظيفته وهم يقبلون يده واحدًا بعد واحد حتى أقبل الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس فقال له الأمير بتخاص‏:‏ هذا أمير مجلس وابن أستاذ السلطان فعانقه ابن أويس ولم يدعه يقبل يده‏.‏

ثم جاء بعده الأمير بكلمش العلائي أمير سلاح فعانقه أيضًا ثم من بعده الأمير أيتمش البجاسي رأس نوبة الأمراء وأطابك فعانقه ثم من بعده الأمير سودون الفخري الشيخوني نائب السلطنة فعانقه ثم الأمير الكبير كمشبغا الحموي أتابك العساكر فعانقه وانقضى سلام الأمراء فقام عند ذلك السلطان ونزل من على المسطبة ومشى نحو العشرين خطوة فلما رأى ابن أويس مشي السلطان له هرول حتى التقيا فأومأ أحمد بن أويس ليقبل يد السلطان فمنعه السلطان من ذلك وعانقه‏.‏

ثم بكيا ساعة ثم مشيا إلى نحو المسطبة والسلطان يطيب خاطره ويعده بكل جميل وبالعود إلى ملكه ويده في يده حتى طلعا على المسطبة وجلسا معًا على البساط من غير أن يقعد السلطان على مرتبته وتحادثا طويلًا ثم طلب السلطان له خلعة فقدم قباء حرير بنفسجي بفرو قاقم بطرز زركش هائلة فألبسه الخلعة المذكورة وقدم له فرسًا من خاص مراكيب السلطان بسرج ذهب وكنبوش زركش وسلسلة ذهب فركبه ابن أويس من حيث يركب السلطان ثم ركب السلطان بعده وسارا يتحادثان والأمراء والعساكر سائرة على منازلهم ميمنة وميسرة حتى قربا من القلعة‏.‏

هذا والناس قد خرجت إلى قريب الريدانية وامتلأت الصحراء منهم للفرجة على موكب السلطان حتى أدهش كثرتهم السلطان أحمد بن أويس فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة‏.‏

ولما وصلا إلى قريب القلعة وأخذت العساكر تترجل عن خيولهم على العادة صار ابن أويس مواكبًا للسلطان حتى بلغا تحت الطبلخاناه من قلعة الجبل فأومأ إليه السلطان بالتوجه إلى المنزل الذي أعد له على بركة الفيل وقد جددت عمارته وزخرفت بالفرش والآلات والأواني فسلم ابن أويس على السلطان وسار إليه وجميع الأمراء في خدمته وطلع السلطان إلى القلعة‏.‏

فلما دخل ابن أويس إلى المنزل المذكور ومعه الأمراء مد الأمير جمال الدين محمود الأستادار بين يديه سماطًا جليلًا إلى الغاية في الحسن والكثرة فأكل السلطان أحمد وأكل الأمراء معه ثم انصرفوا إلى منازلهم‏.‏

وفي اليوم جهز السلطان إليه مائتي ألف درهم فضة ومائتي قطعة قماش سكندري وثلاثة أفراس بقماش ذهب وعشرين مملوكًا وعشرين جارية فلما كان الليل قدم حريم ابن أويس وثقله‏.‏

ثم في يوم الخميس عمل السلطان الخدمة بدار العدل المعروفة بالإيوان وطلع القان أحمد بن أويس المذكور وعبر من باب الجسر الذي يقال له باب السر وجلس تجاه الإيوان حتى خرج إليه رأس نوبة ومضى به إلى القصر فأخذه السلطان وخرج به إلى الإيوان وأقعده رأس الميمنة فوق الأمير كمشبغا الحموي أتابك العساكر‏.‏

فلما قام القضاة ومد السماط قام الأمراء على العادة فقام ابن أويس أيضًا معهم ووقف فأشار إليه السلطان بالجلوس فجلس حتى فرغ الموكب‏.‏

ولما انقضت خدمة الإيوان دخل مع السلطان إلى القصر وحضر خدمة القصر أيضًا ثم خرج الأمراء بين يديه حتى ركب وقدامه جاويشه ونقيب جيشه فسار الأمراء في خدمته إلى منزله‏.‏

ثم علق السلطان جاليش السفر إلى البلاد الشامية على الطبلخاناه فشرع الأمراء والمماليك وغيرهما في تجهيز أحوالهم إلى السفر صحبة السلطان ثم في حادي عشرين شهر ربيع الأول المذكور ركب السلطان من القلعة ومعه السلطان أحمد بن أويس إلى مدينة مصر وعدى النيل إلى بر الجيزة ونزل بالخيام ليتصيد فأقام هناك ثلاثة أيام وعاد وقد أذهل ابن أويس ما رأى من تجفل المملكة وعظمتها من ندماء السلطان ومغانيه وترتيبه في مجلس موكبه وأنسه‏.‏

ثم في سلخه قدم البريد من حلب بتوجه الأمير ألطنبغا الأشرفي نائب الرها كان وهو يوم ذلك أتابك حلب والأمير دقماق المحمدي نائب ملطية بعسكريهما وموافقتهما لطلائع تيمورلنك وهزيمتهما له بعد وفي يوم الخميس ثالث شهر ربيع الآخر ابتدأ السلطان بنفقة المماليك لكل مملوك مبلغ ألفي درهم وعدتهم خمسة آلاف مملوك فبلغت النفقة في المماليك خاصة عشرة آلاف درهم فضة سوى نفقة الأمراء وسوى ما حمل في الخزائن وسوى ما تكلفه للقان أحمد بن أويس فيما مضى وفيما يأتي ذكره‏.‏

وبينما السلطان في ذلك قدم عليه كتاب تيمور يتضمن الإرداع والتخويف ونصه‏:‏ ‏"‏ قل اللهم مالك الملك فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ‏"‏‏.‏

اعلموا أنا جند الله مخلوقون من سخطه ومسلطون على من حل عليه غضبه لا نرق لشاك ولا نرحم عبرة باك قد نزع الله الرحمة من قلوبنا فالويل ثم الويل لمن لم يكن من حزبنا ومن جهتنا‏!‏ قد خربنا البلاد وأيتمنا الأولاد وأظهرنا في الأرض الفساد وذلت لنا أعزتها وملكنا بالشوكة أزفتها فإن خيل ذلك على السامع وأشكل وقال‏:‏ إن فيه عليه مشكلًا فقل‏:‏ ‏"‏ إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ‏"‏ وذلك لكثرة عددنا وشدة بأسنا فخيولنا سوابق ورماحنا خوارق وأسنتها بوارق وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجياد وجيوشنا كعدد الرمال ونحن أبطال وأقيال وملكنا لا يرام وجارنا لا يضام وعزنا أبدًا لسؤدد منقام‏.‏

فمن سالمنا سلم ومن حاربنا ندم ومن تكلم فينا بما لا يعلم جهل‏.‏

وأنتم فإن أطعتم أمرنا وقبلتم شرطنا فلكم ما لنا وعليكم ما علينا وإن خالفتم وعلى بغيكم تماديتم فلا تلوموا إلا أنفسكم فالحصون منا مع تشييدها لا تمنع والمدائن بشدتها لقتالنا لا ترد ولا تنفع ودعاؤكم علينا لا يستجاب فينا فلا يسمع فكيف يسمع الله دعاءكم وقد أكلتم الحرام وطغيتم جميع الأنام وأخذتم أموال الأيتام وقبلتم الرشوة من الحكام وأعدتم لكم النار وبئس المصير‏:‏ ‏"‏ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا ‏"‏‏.‏

فبما فعلتم ذلك أوردتم أنفسكم موارد المهالك وقد قتلتم العلماء وعصيتم رب الأرض والسماء وأرقتم دم الأشراف وهذا والله هو البغي والإسراف فأنتم بذلك في النار خالدون وفى غد ينادى عليكم‏:‏ فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ‏"‏ فأبشروا بالمذلة والهوان يا أهل البغي والعدوان وقد غلب عندكم أننا كفرة وثبت عندنا والله أنكم الكفرة الفجرة وقد سلطنا عليكم الإله له أمور مقدرة وأحكام محررة فعزيزكم عندنا ذليل وكثيركم لدينا قليل لأننا ملكنا الأرض شرقًا وغربًا وأخذنا منكم كل سفينة غصبًا وقد أوضحنا لكم الخطاب فأسرعوا برد الجواب قبل أن ينكشف الغطاء وتضرم الحرب نارها وتضع أوزارها وتصير كل عين عليكم باكية وينادي منادي الفراق‏:‏ ‏"‏ هل ترى لهم من باقية ‏"‏ ويسمعكم صارخ الفناء بعد أن يهزكم هزًا ‏"‏ هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزًا ‏"‏ وقد أنصفناكم إذ راسلناكم فلا تقتلوا المرسلين كما فعلتم بالأولين فتخالفوا كعادتكم سنن الماضين وتعصوا رب العالمين ‏"‏ فما على الرسول إلا البلاغ المبين ‏"‏ وقد أوضحنا لكم الكلام فأرسلوا برد الجواب والسلام‏.‏

فكتب جوابه بعد البسملة الشريفة‏:‏ ‏"‏ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ‏"‏‏.‏

وحصل الوقوف على ألفاظكم الكفرية ونزعاتكم الشيطانية وكتابكم يخبرنا عن الحضرة الخانية وسيرة الكفرة الملائكية وأنكم مخلوقون من سخط الله ومسلطون على من حل عليه غضب الله وأنكم لا ترقون لشاك ولا ترحمون عبرة باك وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم فذاك أكبر عيوبكم وهذه من صفات الشياطين لا من شيم السلاطين وتكفيكم هذه الشهادة الكافية وبما وصفتم به أنفسكم ناهية ‏"‏ قل يا أيها الكافرون‏.‏

لا أعبد ما تعبدون‏.‏

ولا أنتم عابدون ما أعبد‏.‏

ولا أنا عابد ما عبدتم‏.‏

ولا أنتم عابدون ما أعبد‏.‏

لكم دينكم ولي دين ‏"‏ ففي كل كتاب لعنتم وعلى لسان كل مرسل نعتم وبكل قبيح وصفتم وعندنا خبركم من حين خرجتم أنكم كفرة ألا لعنة الله على الكافرين من تمسك بالأصول فلا يبالي بالفروع نحن المؤمنون حقًا لا يدخل علينا عيب ولا يضرنا ريب القرآن علينا نزل وهو سبحانه رحيم لم يزل فتحققنا نزوله وعلمنا ببركته تأويله فالنار لكم خلقت ولجلودكم أضرمت ‏"‏ إذا السماء انفطرت ‏"‏‏.‏

ومن أعجب العجب تهديد الرتوت بالتوت والسباع بالضباع والكماة بالكراع نحن خيولنا برقية وسهامنا عربية وسيوفنا يمانية ولبوسنا مصرية وأكفنا شديدة المضارب وصفتنا مذكورة في المشارق والمغارب إن قتلناكم فنعم البضاعة وإن قتل منا أحد فبينه وبين الجنة ساعة ‏"‏ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ‏"‏‏.‏

وأما قولكم‏:‏ قلوبنا كالجبال وعمدنا كالرمال فالقصاب لا يبالي بكثرة الغنم وكثير الحطب يغنيه الضرم ‏"‏ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ‏"‏ الفرار الفرار من الزوايا وطول البلايا واعلموا أن هجوم المنية عندنا غاية الأمنية إن عشنا عشنا سعداء وإن قتلنا قتلنا شهداء‏.‏

ألا إن حزب الله هم الغالبون‏.‏

أبعد أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين تطلبون منا طاعة لا سمع لكم ولا طاعة وطلبتم أن نوضح لكم أمرنا قبل أن ينكشف الغطاء ففي نظمه تركيك وفي سلكه تلبيك لو كشف الغطاء لبان القصد بعد بيان أكفرتم بعد إيمان أم اتخذتم إلهًا ثان وطلبتم من معلوم رأيكم أن نتبع دينكم ‏"‏ لقد جئتم شيئًا إدًا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًا ‏"‏‏.‏

قل لكاتبك الذي وضع رسالته ووصف مقالته‏:‏ وصل كتابك كضرب رباب أو كطنين ذباب ‏"‏ كلًا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا إن شاء الله تعالى‏.‏

لقد لبكتم في الذي أرسلتم والسلام‏.‏

انتهى‏.‏

فعرض هذا الجواب على السلطان ثم ختم وأرسل إليه‏.‏

ثم في سادس شهر ربيع الأخر المذكور عرض السلطان أجناد الحلقة الذين عينوا للسفر وعين منهم أربعمائة فارس للسفر صحبة السلطان وترك الباقي بالديار المصرية‏.‏